كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْء فَاتِّبَاع بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذلك تَخْفِيف مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَة فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذلك فَلَهُ عَذَاب أَلِيم}.
قال: {فَاتِّبَاع بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} أي: فعليه اتباع بالمعروف أوْ أدَاء إلَيْهِ بإحْسان على الذي يُطْلَبُ.
{كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ}.
قال: {إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ} ف {الْوَصِيَّةُ} على الاستئناف، كأنه- والله أعلم-: {إِن تَرَكَ خَيْرًا} فَالوصية: {لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا}.
{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}.
قال: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ}.
{أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّة مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَة طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْر لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْر لَّكُمْ إِن كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}.
ثم قال: {أَيَّامًا} أيْ: كُتِبَ الصِّيامُ أيامًا. لأَنَّك شَغَلْتَ الفعل بالصيامِ حتى صار هو يقوم مقام الفاعل، وصارت الأيَّامُ كأنك قد ذَكَرْتَ مَنْ فَعَلَ بِها.
وقال: {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّة مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} يقول: فعَلَيْهِ عِدَّة رفع، وإنْ شِئْتَ نَصَبْتَ العِدَّةَ على فَلْيَصُمْ عِدَّةً إلاَّ أَنَّهُ لَمْ يُقرأ.
وقال: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَة طَعَامُ مِسْكِينٍ} وقد قرئت: {فِدْيةُ طَعامِ مِسكين} وهذا ليس بالجيد، إنما الطعام تفسير للفدية، وليست الفدية بمضافة إلى الطعام. وقوله: {يُطِيقُونَهُ} يعني الصيام. وقال بعضهم: {يُطَوَّقُونَه} أي يتكلّفون الصيام. ومن قال: {مَساكِين} فهو يعني جماعة الشهر لأن لكل يوم مسكينا. ومن قال: {مِسْكين} فإنما أخبر ما يلزمه في ترك اليوم الواحد.
وقال: {وَأَن تَصُومُواْ خَيْر لَّكُمْ} لأن أن الخفيفة وما عملت فيه بمنزلة الاسم كأنه قال: والصيامُ خَيْر لكم.
{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّة مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} {وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ} وهو معطوف على ما قبله كأنه قال: وَيَريدُ لِتُكْمِلُوا العِدَّة: {وَلِتُكَبِّرُواْ اللَّهَ}. وأما قوله: {يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ} فإنما معناه يريد هذا ليبين لكم. قال الشاعر: من الطويل وهو الشاهد الرابع والثلاثون بعد المئة:
أُرِيدُ لأَنْسى ذِكْرَها فَكَأنما ** تَمَثَّلُ لِي لَيْلى بِكُلِّ سَبيلِ

فمعناه: أريد هذا الشيء لأنسى ذكرها أَوْ يَكُونُ أَضْمَر أَنْ بعد اللام وأوصَلَ الفعلَ إلَيْها بحرف الجر. قال: {فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ} فعدّى الفعل بحرف الجر، والمعنى: عَرَّفَهم الاختلافَ حتى تركوه.
ثم قال: {شَهْرُ رَمَضَانَ} على تفسير الايام، كأنه حين قال: {أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ} فسرها فقال: هِيَ شَهْرُ رَمَضَانَ. وقد نصب بعضهم: {شَهْرَ رَمَضانَ} وذلك جائز على الأمر، كأنه قال: شَهْرَ رَمضانَ فصُوموا، أو جعله ظرفا على: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} {شَهْرُ رَمَضَانَ} اي: في شَهْرِ رَمضانَ ورَمَضَان في موضع جر لأن الشهر أضيف إليه ولكنه لا ينصرف.
وقال: {الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى} فموضع: {هُدىً} و: {بَيِّنات} نصب لأنه قد شغل الفعل ب {الْقُرْآنُ} وهو كقولك: وجد عبد الله ظريفا.
وأما قوله: {وَالْفُرْقَانِ} فجرّ على وبيناتٍ من الفرقان.
{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيب أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}.
قوله: {يَرْشُدُونَ} لأنها من: رَشَدَ يَرْشُد ولغة للعرب رَشِدَ يَرْشَد وقد قرئت: {يُرْشَدُون}.
{وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}.
قال: {وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ} جزم على العطف ونصب إذا جعله جوابا بالواو.
{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَن تَأْتُواْ الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا ولكنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُواْ الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُواْ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}.
قال: {هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} فجر: {الحَجّ} لأنه عطفه على الناس فانجر باللام.
وقال: {ولكنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى} يريد بِرّ مَنْ اتقَّى.
{فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُور رَّحِيم}.
أما قوله: {فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُور رَّحِيم} يريد: فإنَّ اللّهَ لهم.
{وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَة وَيَكُونَ الدِّينُ للَّهِ فَإِنِ انْتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ}.
قوله: {فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ} لأنه يجوز أن يقول: {إِنِ انتَهَوْاْ} وهو قد علم أنهم لا ينتهون إلا بعضهم فكأنه قال: إن انتهى بعضهم فلا عدوان إلا على الظالمين منهم فأضمر. كما قال: {فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ} [196] أي: فَعَليه ما استيسر كما تقول: زيدا أكرمت وأنت تريد أكرمته وكما تقول: إلى مَنْ تَقْصُد أقصد تريد إليه.
{الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاص فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ}.
أما قوله: {فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ} فان الله لم يأمر بالعدوان، وإنما يقول: إِيتوا إليهم الذي كانَ يُسمى بالاعتداء أي: افعلوا بهم كما فعلوا بكم، كما تقول: إنْ تَعاطَيْتَ مني ظُلْما تعاطَيْتُهُ مِنْكَ والثاني ليس بظالم. قال عَمْرُو بن شَأس: من الطويل وهو الشاهد السادس والثلاثون بعد المئة:
جَزَيْنا ذَوِي العُدْوانِ بالأَمْسِ مِثْلَهُ ** قَصاصًا سَواءً حَذْوَكَ النَّعْلَ بالنَّعْلِ

{وَأَنْفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُواْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}.
قال: {وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} يقول: إلَى الهَلَكَةِ. والباء زائدة نحو زيادتها في قوله: {تَنبُتُ بِالدُّهْنِ} وإنما هي: تنبت الدهن. قال الشاعر: من الطويل وهو الشاهد الخامس والثلاثون بعد المئة:
كَثِيرًا بما يَتْرُكْنَ في كُلِّ حُفْرَةٍ ** زفيرَ القواضِي نَحْبَها وَسُعالَهَا

يقول: كثيرًا يَتْرُكْنَ وجعل الباء وما زائدتين.
{وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ للَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلاَ تَحْلِقُواْ رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَة مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَة كَامِلَة ذلك لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}.
أما قوله: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ} فلأنك تقول: أحصَرَني بَوْلي وأحصرني مَرضِي أي: جعلني أحْصُرُ نفسي. وتقول: حَصَرْتُ الرجل أي: حبسته، فهو مَحْصور. وزعم يونس عن أبي عمرو أنه يقول: حَصَرْتُهُ إذا منعته عن كُلِّ وَجْهٍ وإذا منعته من التقدم خاصة فقد احْصَرْتُهُ، ويقول بعض العرب في المرض وما اشبهه من الاعياء والكلال: أَحْصَرْتُهُ.
وقال: {فَفِدْيَة مِّن صِيَامٍ} أي: فعليه فدية.
وقال: {فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَة كَامِلَة} فإنما قال: {عَشْرَة كَامِلَة} وقد ذكر سبعة وثلاثة ليخبر إنها مجزية، ووليس ليخبر عن عدتها، ألا ترى أن قوله: {كَامِلَة} إنما هي وافية.
وقد ذكروا أَنَّهُ في حرف ابْنِ مَسْعودٍ: {تِسْع وَتِسْعُونَ نَعْجَةً} أُنْثى وذلك أن الكلام يؤكد بما يستغنى به عنه كما قال: {فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ}. وقد يستغنى بأحدهما، ولكن تكرير الكلام كأنه أوجب. إلا ترى أنك تقول: رأيت أَخَويكَ كِلَيْهِما ولو قلت: رأيت أخويك أستغنيت فتجيء بكليهما توكيدا. وقال بعضهم في قول ابن مسعود أُنْثى أنه إنما اراد مُؤَنَّثَةَ يصفها بذلك لأن ذلك قد يستحب من النساء.
وقال: {ذلك لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} واذا وقفت قلت: حاضري لأن الياء إنما ذهبت في الوصل لسكون اللام من المسجد، وكذلك: {غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ} وقوله: {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ} و: {فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا} وأشباه هذا مما ليس هو حرف اعراب. وحرف الإعراب الذي يقع عليه الرفع والنصب والجر ونحو هو وهي، فإذا وقفت عليه فانت فيه بالخيار أن شئت الحقت الهاء وإن شئت لم تلحق. وقد قالت العرب في نون الجميع ونون الاثنين في الوقف بالهاء فقالوا: هُما رَجُلانِه ومُسْلِمُونَهُ وقد قُمْتُهْ إذا أرادوا: قَدْ قُمْتُ وكذلك ما لم يكن حرف اعراب إلا أن بعضه أحسن من بعض، وهو في المفتوح أكثر. فاما مَرَرْتُ بأَحْمَرَ ويَعْمَرَ فلا يكون الوقف في هذا بالهاء لأن هذا قد ينصرف عن هذا الوجه. وكذلك ما لم يكن حرف اعراب ثم كان يتغير عن حاله فإنه لا تلحق فيه الهاء إذا سُكِتَ عليه. واما قوله: {إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ} فإذا وقفت قلت تَبُوءْ لأَنها أَنْ تَفْعَلَ فإذا وقفت على تَفْعَل لم تحرّك. قال: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّءَا} إذا وقفت عليه لأنه أَنْ تَفَعَّلا وأنت تعني فعل الاثنين فهكذا الوقف عليه قال: {وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ} فإذا وقفت قلت: مبوّأْ ولا تقول: مبوّءا لأنه مضاف، فإذا وقفت عليه لم يكن ألف. ولو أثبت فيه الألف لقلت في وقف: {غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ} محلين ولكنه مثل رأيتُ غُلامي زيد فإذا وقفت قلت: غلامي. وقال: {فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ} فإذا وقفت قلت: تراءَى ولم تقل: تراءيا لأنك قد رفعت الجمعين بذا الفعل، ولو قلت: تراءيا كنت قد جئت باسم مرفوع بذا الفعل وهو الألف ويكون قولك الجَمْعانِ ليس بكلام إلا على وجه آخر.
{لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاح أَن تَبْتَغُواْ فَضْلًا مِّن رَّبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُواْ اللَّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنْتُمْ مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّآلِّينَ}.
قال: {فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُواْ اللَّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} فصرف عَرفاتٍ لأنها تلك الجماعة التي كانت تتصرف، وإنما صرفت لأن الكسرة والضمة في التاء صارت بمنزلة الياء والواو في مِسلمين ومُسلمون لأنه تذكيره، وصارت التنوين في نحو عَرَفاتٍ ومُسْلِماتٍ بمنزلة النون. فلما سمي به ترك على حاله كما يترك مسلمون إذا سمي به على حاله حكاية. ومن العرب من لا يصرف ذا إذا سمي به ويشبه التاء بهاء التأنيث في نحو حَمْدَةَ وذلك قبيح ضعيف. قال الشاعر: من الطويل وهو الشاهد السابع والثلاثون بعد المئة:
تَنَوَّرْتُها من أَذْرِعاتٍ وأَهلُها ** بيثربَ أَدْنى دارِهَا نظر عالِ

ومنهم من لا ينوّن اذْرِعات ولا عانات وهو مكان.
{وَاذْكُرُواْ اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}.
قال: {وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى} كأنه حين ذكر هذه الرخصة قد أخبر عن أمر فقال: {لِمَنِاتَّقَى} أَي: ذلك لمن اتقى.
{وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ}.
قال: {وَيُشْهِدُ اللَّهَ على ما في قَلْبِهِ} إذا كان هو يشهد وقال بعضهم: {وَيَشْهَدُ اللّهُ} أي إن الله هو الذي يشهد.
وقال: {وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ} من لَدِدْتُ تَلَدُّ وهو أَلَدُّ وهُمْ قَوْم لُدّ وامْرَأَة لَدّاءُ ونسوة لُدُّ.
{وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوف بِالْعِبَادِ}.
قال: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ} يقول: يَبيعُها كما تقول: شَرَيْتُ هذا المتاعَ أي: بِعْتُهُ وشَرَيْتُهُ: اشْتَرَيتهُ أيضًا، يجوز في المعنيين جميعا، كما تقول: إنَّ الجِلَّ لأَفْضَلُ المَتاعِ، وإنَّ الجِلَّ لأَرْدَؤُهُ، وعلى ذلك يجوز مع كثير مثله. وكذلك الجَلَلُ يكون العظيمَ ويكون الصغيرَ. وكذلك السَّدَفُ يكون الظُلْمةَ والضَوْءَ. وقال الشاعر:
من الرمل وهو الشاهد الثامن والثلاثون بعد المئة:
وأَرى أَربْدَ قد فارَقَني ** ومن الآرْزاءِ رُزْء ذُو جَلَل

أي: عظيم. وقال الآخر: من الطويل وهو الشاهد التاسع والثلاثون بعد المئة:
ألا إنَّما أَبْكي لِيَوْمٍ لقِيتُه ** بِجُرْثُمِ صادٍ كلُّ ما بَعْدَهُ جَلَلَ

أي: صغير.
وأما قوله: {ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ} فان انتصابه على الفعل وهو على يَشْرِي كأنه قال: لابتِغاءِ مَرْضاةِ الله فلما نزع اللام عمل الفعل. ومثله: {حَذَرَ الْمَوْتِ} وأشباه هذا كثير. قال الشاعر: من الطويل وهو الشاهد الأربعون بعد المئة:
واغْفِرُ عَوْراءَ الكرِيم ادّخارَه ** وَأُعْرِضُ عَنْ شَتِم اللئيمِ تَكَرُّما

لما حذف اللامَ عمل فيه الفعل.
{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوّ مُّبِين}.
قال: {ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً} والسِّلْمُ: الإِسْلامُ. وقوله: {وَتَدْعُواْ إِلَى السَّلْمِ وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ} ذلك: الصُلْح. وقد قال بعضهم في الصلح: السِّلم. وقال: {وَيُلْقُواْ إِلَيْكُمُ السَّلَمَ} وهو الاستسلام. وقال: {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُواْ سَلاَمًا} أي: قالوا بَراءَةً مِنْكُم لأنّ السَّلام في بعض الكلام هو: البراءة. تقول: إنّما فلان سَلام بِسلام أي: لا يُخالِطُ إِحدًا. قال الشاعر: من الوافر وهو الشاهد الحادي والأربعون بعد المئة:
سَلامَكَ رَبَّنا في كلِّ فَجْرٍ ** بَريئا ما تَغَنَّثُكَ الذُّمومُ

يعني تَأَوَّبكَ، يقول: براءَتَكَ. وقال: {إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ فَقَالُواْ سَلاَمًا قَالَ سَلاَم} وهذا فيما يزعم المفسرون: قالوا خيرًا. كأنه- والله أعلم- سمع منهم التوحيد فقد قالوا خيرا، فلما عرف أنهم موحدون قال: سلام عَلَيْكُم فسلمَ عليهم. فهذا الوجه رفع على الابتداء. وقال بعضهم: ما كان من كلام الملائكة فهو نصب وما كان من الانسان فهو رفع في السلام. وهذا ضعيف ليس بحجة. وقال: {فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلاَم} فهذا يجوز على معنى: سلام عَلَيْكُم في التسليم. أو يكون على البراءة إلا أنه جعله خبر المبتدأ كأنه قال: أمِري سَلام. اي: أمري براءة منكم، وأضمر الاسم كما يضمر الخبر. وقال الشاعر: من الطويل وهو الشاهد الرابع عشر:
فَيا ظَبْيَةَ الوَعْساءِ بَيْنَ جَلاجِلٍ ** وَبَينَ النَّقا آأَنْتِ أَمْ أُمُ سالِمِ

على: أَأَنْتِ هِي أَمْ أم سالِمِ أيْ: أَشْكَلْتِ عليَّ بِشَبَهِ أمِّ سالِمِ بِكِ. وكل هذا قد اضمر الخبر فيه. ومثل ذلك: {لاَ يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَائِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُواْ مِن بَعْدُ وَقَاتَلُواْ} فلما قال: {أُوْلَائِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُواْ مِن بَعْدُ وَقَاتَلُواْ} كان فيه دليل على معنى: {لاَ يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ} ومن أنفق من بعد الفتح أي لا يستوي هؤلاء وهؤلاء.
وقال: {وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ} لأن كل اسم على فُعْلَة خفيف إذا جمع حرك ثانية بالضم نحو ظُلُمات وغُرُفات لأن مخرج الحرفين بلفظ واحد إذا قرب أحدهما من صاحبه كان أيسر عليهم. وقد فتحه بعضهم فقال: الرُكَبات والغُرفاَت والظُلُمات، واسكن بعضهم ما كان من الواو كما يسكن ما كان من الياء نحو كُلْيات أسكن اللام لئلا تحوّل الياء واوا فاسكنها في خُطْوات لأن الواو اخت الياء. وما كان على فَعْلة نحو: سَلْوَة وشَهْوَة حرّك ثانية في الجمع بالفتح نحو سَلَوات وشَهَوات فإذا كان أوله مكسورا كسر ثانيه نحو كِسْره وكِسِرات، وسِدْرة، وسِدِرات. وقد فتح بعضهم ثاني هذا كما فتح ثاني المضموم واستثقل الضمتين والكسرتين. وما كان من نحو هذا ثانيه واو أو ياء أو التقى فيه حرفان من جنس واحد لم يحرّك، نحو: دُوْمَة ودُومات، ووعُوذَة وعوذات وهي: المعاذة، وبَيْضَة وبَيْضات، ومَيْتةَ ومَيْتات. لأن هذا لو حرّك لتغير وصار الفا فكان يغير بناء الاسم فاستثقلوا ذلك. وقالوا: عِضَة وعِضات فلم يحركوا لأن هذا موضع تتحرك فيه لام الفعل فلا يضعف ولولا أنه حرك لضعف وأكثر ما في الظُلُمات والكِسِرات وما أشبههما أن يحرك الثاني على الأول. وقد دعاهم ذلك إلى أَن قالوا أذْكُر فضموا الألف لضمة الكاف وبينها حرف فذلك أخلق. وقد قال بعضهم: أَنَا أُنْبُوك وأَنا أُجُوك فضم الباء والجيم لضمة الهمزة ليجعلها على لفظ واحد، فهذا اشد من ذاك. وقال: هذا هُو مُنْحَدُر من الجَبَل يريد مُنْحَدَر فضم الدال لضمة الراء، كما ضم الباء والجيم في أُنْبُوكَ وأُجُوكَ.
{هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ}.
قال: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ} على وفي الملائكة. وقال بعضهم: {وَالْمَلائِكَةِ} أي: وتأتيهم الملائكةُ. والرفع هو الوجه وبه نقرأ. لأنه قد قال ذلك في غير مكان قال: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ} وقال: {إِلاَّ أَن تَأْتِيهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ} والمَلَكُ في هذا الموضع جماعة كما تقول: أَهْلَكَ الناسَ الدينارُ والدرهَمُ وهَلَكَ البَعِيرُ والشَّاءُ تريد: جماعة الابل والشاء. وقوله: {إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ} يعني أمرهُ، لأَنّ اللّهَ تبارك وتعالى لا يزُولُ كما تقول: قَدْ خَشِينا أنْ تَأْتِينَا بنُو أُمَيَّة. وإنما تعني حكمهم.
{كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}.
قال: {وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ} يقول: وما اختَلَفَ فيه إلاَّ الذينَ أُوتُوهُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ مِنْ بعدِ ما جاءَتْهُمْ البَيِّناتُ.
{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْه لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْر لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}.
قال: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْه لَّكُمْ} وقال بعضهم: {حَمَلَتْهُ أُمه كَرْها} وقال بعضهم: {كُرْها} وهما لغتان مثل الغُسْل والغَسْل، والضُعْف والضَّعْف إلا أنه قد قال بعضهم أنه إذا كان في موضع المصدر كان كُرْهًا كما تقول: لا تقوم إلا كَرْهًا وتقول: لا تقوم إلا على كُرْهٍ وهما سواء مثل الرُّهْبِ والرَّهْبِ وقال بعضهم: الرَّهَب كما قالوا: البُخْل والبَخْل والبَخَل. وإنما قال: {كُرْه لَكُم} أي: ذُو كُرْهٍ وحذف ذو كما قال: {وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ}.
{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَال فِيهِ كَبِير وَصَدّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْر بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِن اسْتَطَاعُواْ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِر فَأُوْلائِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلائِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}.
قال: {وَصَدّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ}.
وقال: {وَكُفْر بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} على وَصدّ عن المَسْجِدِ الحرامِ.
ثم قال: {وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ} على الابتداء. وقال: {وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهْوَ كَافِر فَأُوْلائِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ} فضعَّف لأن أهل الحجاز إذا اكنت لام الفعل ساكنة ضعفوا وهي هاهنا ساكنة أسكنها بالجزاء. وقال: {وَمَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ} فلم يضاعف في لغة من لا يضاعف لأن من لا يضاعف كثير.
{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْم كَبِير وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذلك يُبيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ}.
قال: {وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ} إذا جعلت: {ماذا} بمنزلة ما. وإن جعلت: {ماذا} بمنزلة الذي قلت: {قُلْ الْعَفْوُ} والأُولى منصوبة وهذا مرفوعة كأنه قال: {ما الذي يُنْفِقُون} فقال: الذي يُنْفِقونَ العفُو. واذا نصبت فكأنه قال: ما يُنْفِقُونَ فقال: يُنْفِقُونَ العَفْوَ لأن: {ما} إذا لم تجعل بمنزلة الذي فالعَفْو منصوب بيُنْفِقُون. وإن جعلت بمنزلة الذي فهو مرفوع بخبر الابتداء كما قال: {مَّاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ} جعل: {مَّاذَا} بمنزلة الذي وقال: {مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ خَيْرًا} جعل: {ماذا} بمنزلة ما. وقد يكون إذا جعلها بمنزلة ما وحدها الرفع على المعنى. لأنه لو قيل له: ما صَنَعْتَ؟ فقال: خير، أي: الذي صنعت خير، لم يكن به بأس. ولو نصبت إذا جعلت ذا بمنزلة الذي كان أيضا جيدا لأنه لو قيل لك: ما الذي صنعت فقلت: خيرًا أي: صنعتُ خيرًا. كان صوابا. قال الشاعر: من الوافر وهو الشاهد الثلاثون:
دَعِي ماذا عَلِمْتُ سَأَتَّقِيهِ ** ولكِنْ بِالمُغَيَّبِ نَبئِّيني

جعل ما وذا بمنزلة ما وحدها، ولا يجوز أن يكون ذا بمنزلة الذي في هذا البيت لأنك لو قلت: دعي ما الذي علمت لم يكن كلاما. وقال أهل التأويل في قوله: {مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ} لأن الكفار جَحَدوا أَنْ يكونَ ربهم أنزل شيئا فقالوا لهم: ما تقولونَ أنتُم أساطيرُ الأوَّلينَ أي: الذي تقولونَ أَنْتُم أَساطيرُ الأولينَ ليس على أَنَزَلَ ربُّنا أساطيرَ الأولين. وهذا المعنى فيما نرى والله أعلم- كما قال: {وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ} [220] أي: فهم اخوانكم.
{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}.
قال: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ} وهو: الحَيْضُ. وإِنما أكثر الكلام في المصدر إِذا بني هكذا أَنْ يَرادَ به المَفْعَل نحو قولك: ما في بُرِّكَ مَكَال أي: كَيْل. وقد قيلت الأخرى أي: قيل مَكِيل وهو مثل مَحِيضٍ من الفعل إذا كان مصدرا للتي في القرآن وهي اقل. قال الشاعر: من الكامل وهو الشاهد الثاني والأربعون بعد المئة:
بُنِيَتْ مَرافِقُهُنَّ فَوْقَ مَزِلَّةٍ ** لا يَسْتَطِيعُ بِها القُرادُ مقيلا

يريد: قَيْلُولَةً. وتقول: جِئْتُ مَجيئًا حَسَنًا. فبنوه على مَفْعِل وهو مصدره.
وقال: {وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} لأنك تقول: طَهَرَتْ المرأةُ فهِيَ تَطْهُرُ. وقال بعضهم طَهُرَت. وقالوا: طَلَقَتْ تَطْلُق وطَلُقَت تَطْلُقُ ايضا. ويقال للنفساء إذا اصابها النفاس: نُفِسَت فإذا أصابها الطَلْقُ قيل: طُلِقَتْ.
{لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِالَّلغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ ولكن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُور حَلِيم}.
قال: {لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِالَّلغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} نقول: لَغَوْتُ في اليمين فأَنا أَلغْو لَغْوًا ومن قال: هو يَمْحا قال: هَو يَلْغا لَغْوًا ومَحْوًا. وقد سمعنا ذلك من العرب. وتقول: لَغِيتُ باسمِ فلانٍ فأَنَا ألْغى به لَغَى أي: أَذْكُرُهُ.
{لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَائهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُو فَإِنَّ اللَّهَ غَفُور رَّحِيم}.
قال: {لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَائهِمْ} تقول: آلى مِن امرأَتِهِ يُؤْلي إيْلاءً وظاهَرَ مِنْها ظِهارًا كما تقول: قاتَلَ قِتالًا.: {تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} {لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ} جعل ذلك لهم أجلا: {فَإِنْ فَاءُوا} يعني: فان رَجِعُوا لأنك تقول: فِئْتُ إلى الحَقِّ.
{وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوءٍ وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُواْ إِصْلاَحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَة وَاللَّهُ عَزِيز حَكِيم}.
قال: {ثَلاَثَةَ قُرُوءٍ} ممدودة مهموزة وواحدها القَرْءُ خفيفة مهموزة مثل: القَرْع وتقول: قَدْ أَقْرَأَتِ المَرأَةُ إِقْراءً بالهمز، إذا صارت صاحبة حيض. وتقول: ما قَرَأَتْ حَيْضَةً قَطْ مثل: ما قَرَأَتْ قُرآنًا. و: قَدْ قَرَأَتْ حَيْضَةً أَوْ حَيْضتَيْنِ بالهمز، وما قَرَأَتْ جَنِينا قطُّ مثلها. أي: ما حَمَلَتْ. والقَرْءُ: انْقْطَاعُ الحَيْض. وقال بعضهم: ما بَيْنَ الحَيْضَتَيْن قال الشاعر: من الوافر وهو الشاهد الثالث والأربعون بعد المئة:
ذِراعَيْ بَكْرَةٍ أَدْماء بَكْرٍ ** هِجانِ اللَّوْنِ لَمْ تَقْرأ جَنينا

وأما قول الشاعر: من الطويل وهو الشاهد الرابع والأربعون بعد المئة:
فَتُوضِحَ فالمِقراةَ لَمْ يَعْفُ رَسْمُها ** لِما نَسَجَتْها مِنْ جَنُوبٍ وَشَمْأَلِ

فان المِقرْاة: المَسِيل وليس بمهموز.
{وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْاْ بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذلك يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ مِنكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذالِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}.
قال: {فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ} ينهى أزواجهن أن يَمْنَعُوهن من الازواج.
وقال: {ذلك يُوعَظُ بِهِ} و: {ذالِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ} لأنه خاطب رجالا، وقال في موضع آخر ذلِكُنَّ الذي لُمْتُنَّني فيه لأنه خاطب نساء، ولو ترك ذلك ولم يلحق فيها أسماء الذين خاطب كان جائزا. وقال: {مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا} ولم يقل: {ذَلِكُنَّ} وقال: {فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}. وقال في المجادلة: {ذَلِكَ خَيْر لَّكُمْ وَأَطْهَرُ} وليس بأبعد من قوله: {حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم} فخاطب ثم حدّث عن غائب لأن الغائب هو الشاهد في ذا المكان. وقال: {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِّن ذلك مَثُوبَةً}.
{وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لاَ تُكَلَّفُ نَفْس إِلاَّ وُسْعَهَا لاَ تُضَآرَّ وَالِدَة بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُود لَّهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذلك فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُواْ أَوْلاَدَكُمْ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُم مَّا آتَيْتُم بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِير}.
قال: {حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} لأنه يقول: بيني وَبَيْنَكَ رَضاعَة ورَضاع وتقول: اللُّؤمُ والرَّضاعَةُ وهي في كل شيء مفتوحة. وبعض بني تميم يكسرها إذا كانت في الارتضاع يقول: الرِّضاعة.
وقال: {لاَ تُكَلَّفُ نَفْس إِلاَّ وُسْعَهَا لاَ تُضَآرَّ وَالِدَة} رفع على الخبر يقول: هكذا في الحكم أنه لا تضارُّ والدة بولدها يقول: يَنْبَغي فلما حذف يَنْبَغي وصار تُضارُّ في موضعه صار على لفظه. ومثله: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا} [234] فخبر: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ} {يَتَرَبَّصْنَ} [234] بَعْدَ مَوْتِهِم ولم يذكر بَعْدَ مَوْتِهِمْ كما يحذف بعض الكلام يقول: يَنْبَغي لَهُنَّ أَنْ يَتَرَبَّصْنَ فَلَما حذف يَنْبغي وقع يَتَرَبَّصْنَ موقعه. قال الشاعر: من الطويل وهو الشاهد الخامس والأربعون بعد المئة:
على الحَكَمِ المَأْتِيِّ يَوْمًا إذا قضى ** قَضِيَّتَهُ أنْ لا يَجُورَ وَيَقْصِدُ

فَرَفَعَ وَيَقْصِدُ على قوله: وَيَنْبَغي.
ومن جعل: {لاَ تُضَآرّ} على النهي قال: {لاَ تُضَآرَّ} على النصب وهذا في لغة من لم يضعف فاما من ضعف فإنه يقول: {لا تضارَرْ} إذا أراد النهي لأن لام الفعل ساكنة إذا قلت لا تُفاعَلْ وأنت تَنهي. إلا أن {تضارَ} هاهنا غير مضعفة لأن ليس في الكتاب إلا راء واحدة.
{وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ ولكن لاَّ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلاَّ أَن تَقُولُواْ قَوْلًا مَّعْرُوفًا وَلاَ تَعْزِمُواْ عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ غَفُور حَلِيم}.
قال: {وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ} فالخِطْبَةِ الذِكر، والخُطْبَةَ: التَشَهُّد.
وقال: {ولكن لاَّ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا} لأنه لما قال: {لاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} كأنه قال: تذكرون: {ولكن لاَّ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلاَّ أَن تَقُولُواْ} استثناء خارج على ولكنْ.
{وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلاَّ أَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَاْ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِير}.
قال: {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} أي: فعليكم نصفُ ما فرضتم: {إِلاَّ أَنْ يَعْفُونَ} وإنْ شئتَ نَصَبْتَ: {نصفَ ما فَرضْتُمْ} على الأمر.
وقال: {وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} وقال بعضهم: {ولا تَناسَوْا} وكلّ صَواب. وقال بعضهم: {وَلا تَنْسَوِا الفَضْلَ} فكسر الواو لاجتماع الساكنين كما قال: {اشْتَرُواْ الضَّلاَلَةَ}.
{فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنتُمْ فَاذْكُرُواْ اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ}.
قال: {فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا} يقول: صَلُّوا رِجالًا أَوْ صَلُّوا رُكْبانا.
{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِمْ مَّتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِن مَّعْرُوفٍ وَاللَّهُ عَزِيز حَكِيم}.
قال: {وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِمْ} كأنه قال: لأزْواجِهِمْ وَصِيَّة: {مَّتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ} ونَصَبَ: {مَتاعًا} لأنه حين قال: {لأزْواجِهِمْ} {وَصِيَّةً} فكأنه قد قال: فَمَتِّعُوهُنَّ: {مَتاعًا} فعلى هذا انتصب قوله: {مَّتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ} يقول: لا إخْراجًا أي: متاعًا لا إخْراجًا أي: لا تُخْرِجُوهُن إخْراجًا. وزعموا أنها في حرف ابن مسعود: {كُتِبَ عَلَيكُم وَصِيَّة لأزْواجِكم}.
{وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاع بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ}.
قال: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاع بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا} أي: أُحِقُّ ذلِكَ حَقًّا.
وقال بعضهم: {وَصِيَّة لأَزْوَاجِهِمْ (240)} فنصب على الأمر ورفع أي: عَلَيْكُمْ وصية بذلك وأَوْصُوا لَهُنَّ وَصِيَّةً.
{مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}.
قال: {مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ} وقال بعضهم: {فَيُضَعِّفُه لَهُ}. وتقرأ نصبا أيضًا إذا نويت بالأول الاسم لأنه لا يكون أن تعطف الفعل على الاسم، فأضمر في قوله: {فيُضاعِفَهَ} أنْ حتى تكّون اسما فتُجْرِيه على الأَوّل إذا نوى به الاسم. والرفع لغة بني تميم لأنهم لا يَنْوون بالأول الاسم فيعطفون فعلا على فعل. وليس قوله: {يُقْرِضُ اللَّهَ} لحاجة بالله ولكن هذا كقول العرب: لكَ عِنْدي قرضُ صِدْقٍ وقَرْضُ سَوءٍ لأمر تأتي فيه مسرَّتُه أو مساءته. قال الشاعر: من البسيط وهو الشاهد السادس والأربعون بعد المائة:
لا تَخْلِطَنَّ خَبيثاتٍ بِطَيِّبَةٍ ** واخْلَعْ ثيابك مِنْها وانجُ عُرْيانا

كُلُّ امرِئ سوفَ يُجْزى قرضَهُ حَسَنًا ** أوْ سَيِّئًا أَوْ مَدِينا مثلَ ما دانا

فالقَرْض: ما سلف من صالح أو من سيئ.